مما يتردد أن الترجمة مثاقفة, هذا في المطلق, شعارا, لا في النسبي, واقعا. وللنسبي دهاؤء: ما
لا يرد من "كرم" المثاقفة و "نبل" مقاصدها قد يخفي ما لا يقبل
من بخلها ولؤم مصالحها. ليت الأمر كان أو يكون كما توحي به براءة المفهوم في القواميس, وبما أن الأمر ليس كذلك, بالضرورة, فان حسن الظن بالمثاقفة لا يكفي, طرفا في "المفاعلة", والمفاعلة هي أكثر من تبادل
الفعل, هي تفاعل الفعل.
هناك, أساسيا, لا تكافؤ. هل من حاجة إلى
الإحصاء لتوصيف هذا اللاتكافؤ, كمّا ونوعا, بين ما ينقل إلى لغتنا وما ينقل منها, ولما كان النقل هو من ثقافة إلى أخرى, فهل من حاجة إلى القول بان اللاتكافؤ يحول المثاقفة إلى
مطاولة؟ المطاولة لفظة مخففة, بل غير دقيقة, إذ المقصود إن الترجمة اللامتكافئة تترجم تبعية قاسية, وإنها- وهذا أدهى- قد تستبطن التبعية وترسخها, لأسباب تتجاوزها: أسباب تتصل بالموقع في النظام العالمي, وبالجيوسياسية. ومهما يكن, فلا يغير من اللاتكافؤ لجوء
إلى أمجاد الماضي ولا مبارزة بروحانيات الحاضر, فهذا لا يوضع في ميزان التبادل, حتى ول كان ميزان ثقافة وترجمة.
من هذه الوجهة, لا تختلف المثاقفة, بالترجمة أو بغيرها, عما يسمى حوار الثقافات الذي يخفي صدامها, حوار الثقافات غالبا ما يكون, في الواقع, حوار صدامات, تسعى المصالح إلى تغطية سياساته
بشعارات ثقافية أو حضارية. ومن المفارقة الواضحة إن الدعوة إلى الحوار تتسع في الوقت
الذي تغلف فيه أوروبا حدودها, في وجه من يحاورها. هي تريد
فكرا أو أفكارا بلا مفكرين, سواء كانوا مثقفين, إجمالا, أو كانوا مترجمين.
طالع ايضا: تحميل كتاب أطلس تاريخ الدولة العباسية PDF
على إن النظر إلى ما في المثاقفة
من مطاولة يجب إلا يعفى من النقد الذاتي: يجب الاعتراف بان اغلب ما ينتشر, في الأسواق, من ترجماتنا مسيء للثقافة
التي ننقلها ولثقافاتنا, في آن واحد. قيل الكثير عن
سوء الترجمة, باعتبارها تشويها لما ينقل إلى العربية, ولكن لم يقل ما يكفي من إن نشويه ما ينقل يشوه ما ينقل إليه
أيضا, هكذا يكون بعض الترجمة مساهمة في
التخلف الثقافي, عموما, والفكري والمعرفي خصوصا, هكذا تكون الترجمة تكريسا
للاتكافؤ في ما يسمى مثاقفة.